فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن عباس: إنه كان ظلومًا لنفسه جهولًا بأمر ربه وما تحمل من الأمانة وقيل ظلومًا حين عصى ربه جهولًا أي لا يدري ما العقاب في ترك الأمانة وقيل ظلومًا جهولًا حيث حمل الأمانة، ثم لم يف بها وضمنها ولم يف بضمانها وقيل في تفسير الآية أقوال أخر، وهو أن الله تعالى ائتمن السموات والأرض والجبال على كل شيء، وائتمن آدم وأولاده على شيء فالأمانة في حق الأجرام العظام هي الخضوع والطاعة لما خلقهن له، وقوله فأبين أن يحملنها أي أدين الأمانة ولم يخن فيها وأما الأمانة في حق بني آدم، فهي ما ذكر من الطاعة والقيام بالفرائض وقوله وحملها الإنسان أي خان فيها، وعلى هذا القول حكي عن الحسن أنه قال الإنسان هو الكافر والمنافق حملا الأمانة وخانا فيها، والقول الأول هو قول السلف وهو الأولى.
فصل في الأمانة:
ق عن حذيفة بن اليمان قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا انتظر الآخر حدثنا «إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة» ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: «ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت ثم ينام الرجل النومة، فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرًا، وليس فيه شيء ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله، فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا حتى يقال: للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان ولقد أتى على زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلمًا ليردنه على دينه، ولئن كان نصرانيًا أو يهوديًا ليردنه على ساعيه وأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلانًا وفلانًا».
قوله: نزلت الأمانة في جذر قلوب الرجال جذر الشيء أصله والوكت الأثر اليسير، كالنقطة في الشيء من غير لونه، والمجل غلظ الجلد من أثر العمل وقيل إنما هو النفطات في الجلد، وقد فسره الحديث والمنتبر المنتفخ وليس فيه شيء.
خ عن أبي هريرة قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس يحدث القوم فجاء أعرابي فقال متى الساعة فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بعض القوم سمع ما قال فكره ما قال وقال بعضهم لم يسمع حتى إذا قضى حديثه قال: «أين السائل عن الساعة قال: ها أنا يا رسول الله قال إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة قال: كيف إضاعتها يا رسول الله قال: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» وعنه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» أخرجه أبو داود والترمذي.
وقال حديث حسن غريب.
قوله تعالى: {ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} أي بما خانوا الأمانة ونفقضوا العهد {ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات} أي يهديهم ويرحمهم بما أدوا من الأمانة.
وقيل: عرضنا الأمانة ليظهر نفاق المنافق وشرك المشرك فيعذبهما الله، ويظهر إيمان المؤمن فيتوب عليه أي يعود عليه بالرحمة والمغفرة إن حصل منه تقصير في بعض الطاعات {وكان الله غفورًا رحيمًا} والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. اهـ.

.قال النسفي:

{تُرْجِى} بلا همز: مدني وحمزة وعلي وخلف وحفص، وبهمز غيرهم: تؤخر {مَن تَشَاء مِنْهُمْ وَتُئْوِى إِلَيْكَ مَن تَشَاء} تضم بمعنى تترك مضاجعة من تشاء منهن وتضاجع من تشاء، أو تطلق من تشاء وتمسك من تشاء، أو لا تقسم لأيتهن شئت وتقسم لمن شئت، أو تترك تزوج من شئت من نساء أمتك وتتزوّج من شئت، وهذه قسمة جامعة لما هو الغرض لأنه إما أن يطلق وإما أن يمسك، فإذا أمسك ضاجع أو ترك وقسم أولم يقسم، وإذا طلق وعزل فإما أن يخلي المعزولة لا يبتغيها أو يبتغيها.
ورُوي أنه أرجى منهن جويرية وسودة وصفية وميمونة وأم حبيبة وكان يقسم لهن ما شاء كما شاء، وكانت ممن آوى إليه عائشة وحفصة وأم سلمة وزينب، أرجى خمسًا وآوى أربعًا، وروي أنه كان يسوي مع ما أطلق له وخير فيه إلا سودة فإنها وهبت ليلتها لعائشة وقالت: لا تطلقني حتى أحشر في زمرة نسائك {وَمَنِ ابتغيت مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ} أي ومن دعوت إلى فراشك وطلبت صحبتها ممن عزلت عن نفسك بالإرجاء فلا ضيق عليك في ذلك أي ليس إذا عزلتها لم يجز لك ردها إلى نفسك.
ومن رفع بالابتداء وخبره {فَلاَ جُنَاحَ} {ذلك} التفويض إلى مشيئتك {أدنى أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا ءاتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ} أي أقرب إلى قرة عيونهن وقلة حزنهن ورضاهن جميعًا لأنهن إذا علمن أن هذا التفويض من عند الله اطمأنت نفوسهن وذهب التغاير وحصل الرضا وقرت العيون.
{كُلُّهُنَّ} بالرفع تأكيد لنون {يرضين} وقُرئ {وَيَرْضَيْنَ كُلُّهُنَّ بِمَا ءاتَيْتَهُنَّ} على التقديم، وقُرئ شاذًا {كلهن} بالنصب تأكيدًا لهن في {ءاتَيْتَهُنَّ} {والله يَعْلَمُ مَا في قلُوبِكُمْ} فيه وعيد لمن لم ترض منهن بما دبر الله من ذلك وفوض إلى مشيئة رسوله {وَكَانَ الله عَلِيمًا} بذات الصدور {حَلِيمًا} لا يعاجل بالعقوبة فهو حقيق بأن يتقي ويحذر.
{لاَّ يَحِلُّ لَكَ النساء} بالتاء: أبو عمرو ويعقوب، وغيرهما بالتذكير لأن تأنيث الجمع غير حقيقي وإذا جاز بغير فصل فمع الفصل أجوز {مِن بَعْدِ} من بعد التسع لأن التسع نصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأزواج كما أن الأربع نصاب أمته {وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} الطلاق.
والمعنى أن تستبدل بهؤلاء التسع أزواجًا أخر بكلهن أو بعضهن كرامة لهن وجزاء على ما اخترن ورضين فقصر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهن وهن التسع التي مات عنهن: عائشة، حفصة، أم حبيبة، سودة أم سلمة، صفية، ميمونة، زينب بنت جحش، جويرية.
ومن في {مِنْ أَزْوَاجٍ} التأكيد النفي وفائدته استغراق جنس الأزواج بالتحريم {وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} في موضع الحال من الفاعل وهو الضمير في {تبَدَّلُ} أي تتبدل لا من المفعول الذي هو من أزواج لتوغله في التنكير، وتقديره مفروضًا إعجابك بهن.
وقيل: هي أسماء بنت عميس امرأة جعفر بن أبي طالب فإنها ممن أعجبه حسنهن.
وعن عائشة وأم سلمة: ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له أن يتزوج من النساء ما شاء يعني أن الآية نسخت، ونسخها إما بالسنة أو بقوله: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أزواجك} وترتيب النزول ليس على ترتيب المصحف {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} استثنى ممن حرم عليه الإماء ومحل ما رفع بدل من {النساء} {وَكَانَ الله على كُلّ شيء رَّقِيبًا} حافظًا وهو تحذير عن مجاوزة حدوده.
{يا أيّها الذين ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبى إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ غَيْرَ ناظرين إناه} {أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ} في موضع الحال أي لا تدخلوا إلا مأذونًا لكم، أو في معنى الظرف تقديره إلا وقت أن يؤذن لكم، {غَيْرَ ناظرين} حال من {لاَ تَدْخُلُواْ} وقع الاستثناء على الحال والوقت معًا كأنه قيل: لا تدخلوا بيوت النبي إلا وقت الإذن ولا تدخلوها إلا غير ناظرين أي غير منتظرين.
وهؤلاء قوم كانوا يتحينون طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه، ومعناه لا تدخلوا يا أيها المتحينون للطعام إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه، وإنى الطعام إدراكه يقال أَنى الطعام أني كقولك قلاه قلي.
وقيل: إناه وقته أي غير ناظرين وقت الطعام وساعة أكله.
ورُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على زينب بتمر وسويق وشاة وأمر أنسًا أن يدعو بالناس فترادفوا أفواجًا يأكل فوج ويخرج ثم يدخل فوج إلى أن قال يا رسول الله دعوت حتى ما أجد أحدًا أدعوه فقال: «ارفعوا طعامكم» وتفرق الناس وبقيء ثلاثة نفر يتحدثون فأطالوا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرجوا فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجرات وسلم عليهن ودعون له ورجع، فإذا الثلاثة جلوس يتحدثون وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الحياء فتولى، فلما رأوه متوليًا خرجوا فرجع ونزلت {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فانتشروا} فتفرقوا {وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} هو مجرور معطوف على {ناظرين} أو منصوب أي ولا تدخولها مستأنسين نهوا عن أن يطيلوا الجلوس يستأنس بعضهم ببعض لأجل حديث يحدث به {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى النبى فَيَسْتَحْيِى مّنكُمْ} من إخراجكم {والله لاَ يَسْتَحْىِ مِنَ الحق} يعني أن إخراجكم حق ما ينبغي أن يستحيا منه.
ولما كان الحياء مما يمنع الحيّي من بعض الأفعال قيل لا يستحيي من الحق أي لا يمتنع منه ولا يتركه ترك الحيي منكم، هذا أدبٌ أدّب اللّه به الثقلاء.
وعن عائشة رضي الله عنها: حسبك في الثقلاء أن الله تعالى لم يحتملهم وقال: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فانتشروا}.
{وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ} الضمير لنساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لدلالة بيوت النبي لأن فيها نساءه {متاعا} عارية أو حاجة {فَسْئَلُوهُنَّ} المتاع {مِن وَرَاء حِجَابٍ ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} من خواطر الشيطان وعوارض الفتن، وكانت النساء قبل نزول هذه الآية يبرزن للرجال وكان عمر رضي الله عنه يجب ضرب الحجاب عليهن ويود أن ينزل فيه وقال: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فنزلت.
وذكر أن بعضهم قال: أننهى أن نكلم بنات عمنا إلا من وراء حجاب لئن مات محمد لأتزوّجن فلانة فنزل {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا} أي وما صح لكم إيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نكاح أزواجه من بعد موته {إِنَّ ذلكم كَانَ عِندَ الله عَظِيمًا} أي ذنبًا عظيمًا.
{إِن تُبْدُواْ شَيْئًا} من إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم أو من نكاحهن {أَوْ تُخْفُوهْ} في أنفسكم من ذلكم {فَإِنَّ الله كَانَ بِكُلّ شيء عَلِيمًا} فيعاقبكم به.
ولما نزلت آية الحجاب قال الآباء والأبناء والأقارب: يا رسول الله أو نحن أيضًا نكلمهن من وراء حجاب فنزل {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ في ءَابَآئِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء أخواتهن وَلاَ نِسَائِهِنَّ وَلاَ} أي نساء المؤمنات {وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} أي لا إثم عليهن في ألا يحتجبن من هؤلاء ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين وقد جاءت تسمية العم أبا قال الله تعالى: {وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} [البقرة: 133].
وإسماعيل عم يعقوب، وعبيدهن عند الجمهور كالأجانب.
ثم نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب وفي هذا النقل فضل تشديد كأنه قيل {واتقين الله} فيما أمرتن به من الاحتجاب وأنزل فيه الوحي من الاستتار واحتطن فيه {إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شيء شَهِيدًا} عالمًا.
قال ابن عطاء: الشهيد الذي يعلم خطرات القلوب كما يعلم حركات الجوارح.
{إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبى يا أيّها الذين ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ} أي قولوا اللهم صل على محمد أو صلى الله على محمد {وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا} أي قولوا اللهم سلم على محمد أو انقادوا لأمره وحكمه انقيادًا.
وسئل عليه السلام عن هذه الآية فقال: «إن الله وكل بي ملكين فلا أذكر عند عبد مسلم فيصلي عليّ إلا قال ذانك الملكان غفر الله لك وقال الله وملائكته جوابًا لذينك الملكين آمين، ولا أذكر عند عبد مسلم فلا يصلي عليّ إلا قال ذانك الملكان غفر الله لك وقال الله وملائكته جوابًا لذينك الملكين آمين» ثم هي واجبة مرة عند الطحاوي، وكلما ذكر اسمه عند الكرخي وهو الاحتياط وعليه الجمهور.
وإن صلى على غيره على سبيل التبع كقوله صلى الله على النبي وآله فلا كلام فيه، وأما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة فمكروه وهو من شعائر الروافض.
{إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ} أي يؤذون رسول الله، وذكر اسم الله للتشريف أو عبر بإيذاء الله ورسوله عن فعل ما لا يرضى به الله ورسوله كالكفر وإنكار النبوة مجازًا، وإنما جعل مجازًا فيهما وحقيقة الإيذاء يتصور في رسول الله لئلا يجتمع المجاز والحقيقة في لفظ واحد {لَعَنَهُمُ الله في الدنيا والآخرة} طردهم الله عن رحمته في الدارين {وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} في الآخرة {والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات بِغَيْرِ مَا اكتسبوا} أطلق إيذاء الله ورسوله وقيد إيذاء المؤمنين والمؤمنات لأن ذاك يكون غير حق أبدًا، وأما هذا فمنه حق كالحد والتعزيز ومنه باطل.
قيل: نزلت في ناس من المنافقين يؤذون عليًا رضي الله عنه ويسمونه.
وقيل: في زناة كانوا يتبعون النساء وهن كارهات.
وعن الفضيل: لا يحل لك أن تؤذي كلبًا أو خنزيرًا بغير حق فكيف إيذاء المؤمنين والمؤمنات {فَقَدِ احتملوا} تحملوا {بهتانا} كذبًا عظيمًا {وَإِثْمًا مُّبِينًا} ظاهرًا.
{يا أيّها النبى قُل لأزواجك وبناتك وَنِسَاء المؤمنين يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن} الجلباب: ما يستر الكل مثل الملحفة عن المبرد.
ومعنى {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جلابيبهن} يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن.
يقال: إذا زلّ الثوب عن وجه المرأة أدنى ثوبك على وجهك.
ومن للتبعيض أي ترخي بعض جلبابها وفضله على وجهها تتقنع حتى تتميز من الأمة، أو المراد أن تتجلببن ببعض ما لهن من الجلابيب وأن لا تكون المرأة متبذلة في درع وخمار كالأمة ولها جلبابان فصاعدًا في بيتها، وذلك أن النساء كنّ في أول الإسلام على هجّيراهن في الجاهلية متبذلات تبرز المرأة في درع وخمار لا فضل بين الحرة والأمة، وكان الفتيان يتعرضون إذا خرجن بالليل لقضاء حوائجهن في النخيل والغيطان للإماء، وربما تعرضوا للحرة لحسبان الأمة فأمرن أن يخالفن بزيهن عن زي الإماء بلبس الملاحف وستر الرءوس والوجوه فلا يطمع فيهن طامع وذلك قوله: {ذلك أدنى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ} أي أولى وأجدر بأن يعرفن فلا يتعرض لهن {وَكَانَ الله غَفُورًا} لما سلف منهن من التفريط {رَّحِيمًا} بتعليمهن آداب المكارم {لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ المنافقون والذين في قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} فجور، وهم الزناة من قوله: {فَيَطْمَعَ الذي في قَلْبِهِ مَرَضٌ} {والمرجفون في المدينة} هم أناس كانوا يرجفون بأخبار السوء عن سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون هزموا وقتلوا وجرى عليهم كيت وكيت فيكسرون بذلك قلوب المؤمنين.
يقال: أرجف بكذا إذا أخبر به على غير حقيقة لكونه خبرًا متزلزلًا غير ثابت من الرجفة وهي الزلزلة {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} لنأمرنك بقتالهم أو لنسلطنك عليهم {ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا} في المدينة وهو عطف على {لَنُغْرِيَنَّكَ} لأنه يجوز أن يجاب به القسم لصحة قولك لئن لم ينتهوا لا يجاورونك.
ولما كان الجلاء عن الوطن أعظم من جميع ما أصيبوا به عطف ب {ثُمَّ} لبعد حاله عن حال المعطوف عليه {إِلاَّ قَلِيلًا} زمانًا قليلًا.
والمعنى لئن لم ينته المنافقون عن عداوتهم وكيدهم، والفسقة عن فجورهم، والمرجفون عما يؤلفون من أخبار السوء، لنأمرنك بأن تفعل الأفعال التي تسوءهم، ثم بأن تضطرهم إلى طلب الجلاء عن المدينة وإلى أن لا يساكنوك فيها إلا زمانًا قليلًا ريثما يرتحلون، فسمي ذلك إغراء وهو التحريش على سبيل المجاز.
{مَّلْعُونِينَ} نصب على الشتم أو الحال أي لا يجاورنك إلا ملعونين، فالاستثناء دخل على الظرف والحال معًا كما مر ولا ينتصب عن {أُخِذُواْ} لأن ما بعد حروف الشرط لا يعمل فيما قبلها {أَيْنَمَا ثُقِفُواْ} وجدوا {أُخِذُواْ وَقُتّلُواْ تَقْتِيلًا} والتشديد يدل على التكثير {سُنَّةَ الله} في موضع مصدر مؤكد أي سن الله في الذين ينافقون الأنبياء أن يقتلوا أينما وجدوا {فِى الذين خَلَوْاْ} مضوا {مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ الله تَبْدِيلًا} أي لا يبدل الله سنته بل يجريها مجرى واحدًا في الأمم.